السلام عليكم
سبب نزول سورة الكافرون
السؤال : ما هو سبب نزول سورة " الكافرون " ؟ وما هي قصتها ؟
الجواب :
الحمد لله
جاء
في سبب نزول هذه السورة أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم
أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى ويقبلوا ما جاء به ، بشرط أن يشاركهم في
عبادة آلهتهم الباطلة بعض الزمان ، فنزلت هذه السورة تقطع كل مفاوضات لا
تفضي إلى تحقيق التوحيد الكامل لله رب العالمين .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما :
(أن
قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل
بمكة ، ويزّوجوه ما أراد من النساء ، ويطئوا عقبه ، فقالوا له : هذا لك
عندنا يا محمد ، وكفّ عن شتم آلهتنا ، فلا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل فإنا
نعرض عليك خصلة واحدة ، فهي لك ولنا فيها صلاح . قال : ما هي ؟ قالوا :
تعبد آلهتنا سنة : اللات والعزي ، ونعبد إلهك سنة ، قال : حتى أنْظُرَ ما
يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي . فجاء الوحي من اللوح المحفوظ : (قُلْ يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) السورة، وأنزل الله : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ
تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) ... إلى قوله :
(فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) .
رواه ابن أبي حاتم في " التفسير " (10/3471)، والطبري في " جامع البيان " (24/703)، والطبراني في " المعجم الصغير " (751)
جميعهم من طريق أبي خلف عبد الله بن عيسى الخزاز الحداد ، ثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما به .
وقال الطبراني : لم يروه عن داود بن أبي هند إلا عبد الله بن عيسى ... أحاديثه أفراد كلها . انتهى .
وعبد الله بن عيسى الخزاز ضعيف عند عامة العلماء ، لا سيما رواياته عن داود بن أبي هند.
انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (5/353) .
وعن سعيد بن مينا مولى البَختري قال :
لقي
الوليد بن المُغيرة والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأميَّة بن خلف
، رسولَ الله ، فقالوا : يا محمد ! هلمّ فلنعبد ما تعبد ، وتعبدْ ما نعبد
، ونُشركك في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد
شَرِكناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه ; وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك
كنت قد شَرِكتنا في أمرنا ، وأخذت منه بحظك ، فأنزل الله : (قُلْ يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) حتى انقضت السورة .
رواه الطبري في " جامع
البيان " (24/703) قال : حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن محمد بن
إسحاق ، قال : ثني سعيد بن مينا مولى البَختري به .
وسعيد بن ميناء من أوساط التابعين ، فروايته مرسلة ضعيفة .
وقال السيوطي رحمه الله :
"أخرج
عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب قال : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم
: إن سرك أن نتبعك عاما وترجع إلى ديننا عاما ، فأنزل الله : (قُلْ يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) إلى آخر السورة .
وأخرج عبد بن حميد ،
وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن قريشا قالت
: لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك ، فأنزل الله : ( قل يا أيها الكافرون )
السورة كلها" انتهى .
"الدر المنثور" (8/655) .
والحاصل :
أن الآثار السابقة – وإن ضعفت أسانيد أفرادها – إلا أنها تتقوى بمجموعها ،
ويشهد بعضها لبعض ، خاصة وأنه ليس في متنها ما يستنكر ، ووافقت ظاهر
القرآن الكريم ، ولذلك صحح مضمونها الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح
السيرة النبوية " (201)، وانظر : " السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية
" (ص/175) .
وأما معنى السورة :
فقال ابن جرير الطبري رحمه الله :
"
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم - وكان المشركون من قومه
فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله
عليه وسلم آلهتهم سنة - فأنزل الله معرفة جوابهم في ذلك :
( قُلْ
) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا
إلهك سنة (يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) بالله ( لا أَعْبُدُ مَا
تَعْبُدُونَ ) من الآلهة والأوثان الآن (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا
أَعْبُدُ) الآن ( وَلا أَنَا عَابِدٌ ) فيما أستقبل ( مَا عَبَدْتُمْ )
فيما مضى ( وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ) فيما تستقبلون أبدا ( مَا أَعْبُدُ
) أنا الآن ، وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم
أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى
الله عليه وسلم أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن
ذلك غير كائن منه ولا منهم في وقت من الأوقات ، وآيس نبي الله صلى الله
عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم
يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك
كافرا ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت به الآثار " انتهى
.
" جامع البيان " (24/702) .
والله أعلم