السلام عليكم
الإبانة عن مقاصد الأمانة
.
1- الأمانة: هنا -على أصح أقوال المفسرين- هي التكاليف الشرعية: حقوق الله وحقوق العباد وحقوق النفس، فمن أداها فله الثواب ومن ضيعها فعليه العقاب.
- عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: «الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة –وأشياء عددها- وأشدها الودائع» أخرجه أحمد في «الزهد» بإسناد حسن.
2- من اتصف بكمال الأمانة فقد استكمل الدين، ومن فقدها فقد نبذ الدين، عن أنس –رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» أخرجه أحمد والطبراني وابن حبان وهو صحيح.
3- وهي صفة المرسلين والمقربين وعباد الله الصالحين كما أخبر الله عن نوح وهود وصالح وغيرهم من الأنبياء –عليهم السلام-: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 107و108].
وأما خاتم المرسلين فقد تواتر وصفه بالصادق الأمين.
4- ونقص الأمانة أو نقضها أمارة على هدم الدين واضطراب الموازين وقرب نهاية العالم.
أ- كلما نقضت الأمانة نقضت شعب الإيمان.
أخرج الشيخان عن حذيفة –رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن وعلموا من السنة» ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء»، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، فيصبح الناس يتبايعون، لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أميناً، وحتى يقال للرجل: ما أظرفه وما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان».
فدل الحديث أن الأمانة إذا ضاعت ضاع الدين.
ب- أول شيء يفقد من الدين الأمانة، عن أنس –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة» أخرجه القضاعي وله شاهد عن شداد بن أوس وآخر عن عبد الله بن مسعود موقوفاً وانظر «الصحيحة» (1739).
ت- وضياعها من أشراط الساعة؛ فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة. فقال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» فقال: وما ضياعها قال: «إذا وسد (وفي رواية: أسند) الأمر إلى غير أهله». أخرجه البخاري.
5- فلا نجاة للعبد يوم القيامة إلا بأداء الأمانة.
أ- فمن أداها وحفظها وقام بحقوقها؛ فهو من ورثة الفردوس الأعلى.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 8-11].
وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج: 32-35].
ب- ومن ضيعها حُرم الجنة ولو قتل شهيداً في سبيل الله.
أخرج البيهقي في «الشعب» وأحمد في «الزهد» بإسناد جيد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: « الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إِلا الأَمَانَةَ، يُؤْتَى بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيقال له: أَدِّ أَمَانَتَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟! فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَتمَثَّلُ لَهُ أَمَانَتُهُ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ دُفِعَتْ إِلَيْهِ، فَيَرَاهَا، فَيَعْرِفَهَا فَيَهْوِي فِي أَثَرِهَا حَتَّى يُدْرِكَهَا فَيَحْمِلَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ خَارِجٌ اخلولت عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَهُوَ يَهْوِي فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الآبِدِينَ».
وإليكم بعض أحكام الأمانة:
1- وجوب دفع الأمانة إلى صاحبها ولو خانك من قبل، فلا تقابل الخيانة بالخيانة.
عن أبي ذر –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» أخرجه أبو داود والترمذي وهو صحيح.
2- لا يجوز الحلف بالأمانة، عن بريدة -رضي الله عنه- قال: «ليس منا من حلف بالأمانة، وليس منا من خبب امرأة على زوجها أو خبب مملوكاً على سيده» أخرجه أحمد والحاكم وابن حبان بإسناد صحيح.
3- من أنكر الوديعة؛ فحده حد السرقة.
عن عائشة –رضي الله عنها-: أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة، فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله»، ثم خطب فقال: «إنما هلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها. أخرجه البخاري ومسلم