العلاقة بين الغذاء والصحة العقلية
تتيانا الكور - بالرغم من أن تأثير الغذاء على الصحة الجسمية معروف، فإن ما يؤكده لنا العلم الحديث هو وجود علاقة بين الغذاء والنمو العقلي والصحة العقلية إذ أن هناك العديد من العلاقات المعقدة بين الغذاء والصحة العقلية، فالمواد الكيمياوية التي تقوم بنقل السيلانات العصبية تتأثر كثيرا بنوع الغذاء الذي يتناوله الشخص، فيمكن أن يترك نقص بعض الفيتامينات والمواد المعدنية والحوامض الأمينية تأثيرات كبيرة على المزاج والصحة العقلية، مثل ظهور أعراض داء الفصام عند حصول نقص في فيتامين (ب). ولا يمكن بناء صحة العقل في يوم واحد أو ليلة واحدة فالجسم يحتاج إلى أن يرتكز على دعائم أساسية على مدار السنين من أجل تعزيزصحة العقل. وبات علم التغذية العمود الفقري لصحة العقل إلى جانب ممارسة أنماط حياة صحية تشمل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام والمحافظة على نظام غذائي متوازن ومنوع وصحي. وتوفر الصحة العقلية القدرة على العيش مدة أطول والمحافظة على التيقظ العقلي والأداء الجسدي.
ويلعب السمك دورا بارزا فيما أشارت إليه الأبحاث من فوائد جمة في الصحة العقلية إذ يعتبر من المصادر الغنية بالبروتينات التي تحتوي أحماضاً أمينية مهمة مثل الأرجنين و التريبتوفان والتي تلعب دورا مهما في الحفاظ على أنسجة الجسم و لبناء ما يحتاجه الجسم من أنسجة أو ترميم للأنسجة، خاصة للدماغ وفي حالتي النمو و المرض، بالإضافة إلى دورها في تحسين المزاج. كما ويعتبر السمك مصدراً مهماً لعناصر غذائية مهمة كالكالسيوم الضروري لصحة العظام، واليود و الفوسفور الضروريين لتنشيط الذاكرة. كما ويحتوي السمك على الفيتامينات، خاصة فيتامين أ وفيتامين د الموجودين في كبد السمك . كذلك يحتوي على نسبة عالية من حمض الجلوتاميك وهي مادة ضرورية لوظائف الدماغ والأعصاب و الأنسجة.
وقد أشارت العديد من الدراسات الحديثة إلى أن تناول وجبتين من السمك في الأسبوع على الأقل يمنع حدوث السكتات الدماغية، ويكمن السبب في إحتواء السمك على نوع خاص من الأحماض الدهنية تدعى الأحماض الدهنية الثلاثية أو ما نسميه أوميغا-3 (3-agemO) التي بدورها تلعب دورا رئيسيا في المحافظة على صحة الشرايين، ومنها تلك المغذية للدماغ. فمن المعروف أن السكتات الدماغية تحدث عندما تصاب أحد الشرايين الدموية بجلطة من الدم، إلا أن ما أثبتته الأبحاث العلمية هو أن الأحماض الدهنية الثلاثية (الأوميغا-3 ( الموجودة في السمك تستطيع إيقاف نكون هذه الجلطات عن طريق إزالة الترسبات من الأوعية الدموية، فضلا عن أنها تساعد على تخفيض ضغط الدم، لذلك فإن إمكانية حدوث السكتات الدماغية تقل لدى الأشخاص الذين يتناولون السمك بصورة منتظمة اذ نوصي حاليا بتناول وجبتين من السمك أسبوعيا. وتعتبر جميع أصناف السمك من المصادر الجيدة لأحماض الأوميغا-3، إلا أن بعض الأصناف تعد من المصادر الأغنى، مثل السلمون، والتونا، والسردين، والهرينغ والبوري والماكاريل. ومن المصادر الغذائية الأخرى الغنية بهذه الأحماض هي: اليقطين، الكتان وبزر الكتان، المكسرات خاصة الجوز واللوز، زيت السمك وزيت الجوز.
ومن ناحية أخرى، فقد أظهرت دراسات أخرى أهمية تناول السمك للصحة النفسية والحماية من الإكتئاب إذ توصلت دراسة واسعة النطاق الى أن الأشخاص الذين يتناولون السمك أقل من مرة في الأسبوع هم أكثر عرضة للإصابة بالإكتئاب المعتدل والشديد (وبمعدل 31 %) مقارنة بمن يتناولون الأسماك أكثر من مرة في الأسبوع، ويعود ذلك الى إحتواء السمك على الأحماض الدهنية الثلاثية (الأوميغا 3) الموجودة في السمك. كما أن هنالك أهمية كبيرة لتطور دماغ الطفل أثناء تواجده داخل رحم الأم وأثناء رضاعته، لذا على الأم أن تتناول أطعمة تحتوي على الأحماض الدهنية الثلاثية، والتي يشكل السمك أهم مصادرها إذ أوضحت أبحاث عديدة أجريت في الدنمارك وفي جزر البيرو أن النساء اللاتي تناولن وجبات من الأحماض الدهنية الثلاثية أثناء فترة حملهن وخلال فترة الرضاعة ولدن أطفالا ناضجين أكثر من أطفال النساء اللواتي لم يتناولن الأحماض الدهنية الثلاثية.
وتشمل التغذية المتوازنة والصحية تناول مجموعات غذائية غنية بالعناصر الغذائية المقوية للصحة العقلية. ومن أهم هذه المجموعات هي مجموعة الفواكه ومجموعة الخضراوات. فمن أمثلة مجموعة الفواكه المعنية بصحة العقل هي الحمضيات (كالبرتقال والليمون الحامض والجريبفروت والكيوي والمانجو) نظرا لإحتوائها على فيتامين (ج) والذي بدوره يمنع تأكسد الخلايا. أما بالنسبة لمجموعة الخضراوت فتتمثل بالبروكولي، الملفوف واللفت والشمندر، والفلفل الأحمر، والذرة، والبصل والثوم، والباذنجان، والسبانخ.
كما ويلعب فيتامين (ب) المركب دورا مهما في الحفاظ على نشاط الخلايا العصبية. ويتواجد الفيتامين المركب في مصادر نباتية (مثل البطاطا والموز والعدس والفلفل والخميرة الطبيعية)، ومصادر حيوانية مثل الكبدة والتونا والديك الرومي.
ويجب التنويه إلى أن زيادة التنوع في الطعام الذي نتناوله يلعب دورا مهما في دعم وتقوية الصحة العقلية من خلال توفير العناصر الغذائية المختلفة والضرورية، فالتنوع يعني تناول أنواع كثيرة من الأطعمة النباتية (كالعدس والفول) بالإضافة إلى بعض السمك واللحم والدجاج والبيض ومنتجات الألبان قليلة الدسم، ويقلل من إمكانية الإفتقار لأحد أنواع المغذيات الهامة. ويجب مراعاة عدم التنويع بإضافة المزيد من الحلويات والشوكولاتة وشرائح البطاطا المقلية والمشروبات الغازية إذ أن من الأفضل تناولها من الحين إلى الآخر نظرا لقلة قيمتها الغذائية وقدرتها على زيادة الوزن. وينصح بتناول السمك مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع (فإلى جانب أهمية السمك في صحة العقل، فيلعب السمك دور في الوقاية من أمراض القلب وإلتهاب المفاصل).